-1-
بين الحين والأخر يجب علينا كبشر إنسانيين أن "نتأمل" Reflecting
أو "يتفكر" بالتعبير القرأني بدايه مما يدور بخلدنا ثانياً بما يدور من حولنا
, التأمل هو خير مقياس للتأكد من مشاعرنا وأفكارنا ومدلوله الكامن وراء كوننا بشر
هذا بالنسبة للتأمل الداخلي
أما التأمل الخارجي فهو ملاحظة مقصودة وغير عشوائية لما يدور حولنا
وكيف فهمناه ؟ وكيف تفاعلنا معه؟
فالإنسان لا يعيش بمعزل عن بيئته
إلا إذا كان راهب داخل معبد بوذي فوق أحد قمم جبال الهيمالايا
يتحمل درجة حرارة تناهز العشرون درجة مئوية تحت الصفر
وهذا بالطبع لا يعنيني الحديث عنه هنا بل يعنيني أن أتأمل تلك الأيام الفائته
التي مررت بها وكيف تفاعلت مع ذاتي؟ ومع الأخرين؟
وجدت أنني قد ضيعت أمور كتيره بسبب الغفلة
أمور كانت تُلقي في دروبي لكني كنت غير معني بها
لكن بعد فتره تأمل طويلة في جو إيماني رمضاني
وأكواب عديدة من الشاي بالبرغموت غريب المذاق
وعلب السجائر الأجنبي اللعينة التي كلفتني الكثير!!
قررت أن أبحث عنها من جديد وأعيرها كل إهتمامي
وأتفاعل معها بكل كياني وجوارحي.
-2-
"الأوفياء يظهرون وقت الشدة" إنها خير جملة وعيتها جدا وعشتها الفترة السابقة
فأنا لم أجد جانب كبير من الحب يظهر أمامي إلا حينما مررت بمشكلة في عملي
ورأيت مدي تمسكهم كي لا أنتقل للعمل في مكان أخر
بأحد البلاد الغريبة أو العجيبة التي نشاهدها في برامج التوك شو
ومهازل تحطيم كل ما هو مصري ف كل مكان
مشاعر صادقة ظهرت في وقت حقيقي ليتمايز أمامك الصادق مِن الكاذب
فشعرت بالسعادة حينما وجت لفيف من الزملاء يعترضون علي القرارالتعسفي لنقلي
وكم كنت في بالغ خجلي وأنا أسمع عبارات الثناء والمدح
ظنتت أنهم يتحدثون عن شخص أخر غيري
فشكراً للجميع ولكني لن أنسي دعاء سيدنا أبو بكر - رضي الله عنه - البليغ
" اللهم أنت أعلم بي من نفسي , وأنا أعلم بنفسي منهم , إجعلني خيراً مما يحسبون,
وإغفر لي ما لا يعلمون , ولا تؤاخذني بما يقولون"
-3-
إية العلاقة بين الدين والعمل وبين الدين والمعاملة
وبين الدين والإنسان لا توجد علاقة غير الترابط والتلازم بينهم جميعاً
ولكن هل نجد شخص متدين لكنه يفتقر إلي الأخلاق ؟
أو نجد شخص علي قدر عالٍ من الأخلاق ولكن بلا دين؟
في زيارتي الأخير للقاهرة جلست علي أحد الكافيتريات بمدينة نصر
جلس معنا صديق جديد لم أقابله من قبل أو أتحدث معه
وبوجه شاحب وبهدوء فاجأني هذا الصديق الغريب
بإشراكي في حديثه الذي لم أهتم بالإنصات إليه منذ البداية
قالي لي: قال الرسول عليه الصلاة والسلام إظفر بذات الدين
قالت له: تقصد إنك بتفكر الإرتباط والزواج بأحد؟
قال لي : أيوة
قلت له : صدق رسول الله فالدين أهم عنصر في حياتنا سواء في زواج أو عمل أو تفكير
قال ليا: أنا لقيت بنت متدينة جدا وبفكر الإرتباط بيها أنا من البحيرة وهي جارتي
قلت له: بس أنا ليا نصيحة ياريت تحطها في دماغك كويس وإفهما بهدوء
قال ليا : إتفضل
قلت له : الدين لا يتجزء عن المكونات الأخري من الأخلاق والمعاملات والتفكير وأسلوب حياة
إتأكد أهم حاجه من تعاملاتها وتصرفاتها وقت السرور ووقت الغضب
صدقني هتكتشف أمور تانية مختلفة
لأن ممكن يكون التدين ده تدين منقوص أو غير مكتمل أركانه
وهات ورقة وأكتب الجملة دي كويس وأحفظها
ودي عبارة قالها الرئيس المغتال علي عزت بيجوفيتش
" كلما كان وضع الإنسان متديناً في الحياة , فإن إكتشاف نبلة يكون أبلغ إشارة"
وطلبت منه يعرفني وصل إلي إي??
-4-
أهدت ليا صدقتي وزمياتي الغالية "د.ليلي" الطبيبة بالقصر العيني كتابين من أجمل الكتب
كأن القدر كان واضعهم في طريقي لغرض لا يعلمة إلا الله وحده
الكتاب الأول كان لأديبة كنت أول مرة أقرأ ليها حاجه
هي الكاتبة الجزائرية "أحلام مستناغمي" بكتابها الجديد نسيان .com
والكتاب الأخر كان موسوعة ميزان المعرفة
الكتاب الأول كتاب فريد من نوعة أول مرة أقرأ النوعية دي من الكتب
لكنه كان رائع فعلاً وخلصته في يومين من شغفي لإنهائة
بيدور الكتاب علي فكره كيف تنسي حبك السابق وتعيش حياتك
وشد إنتباهي أكتر إنها طلبت أنك تبعد عن الأغاني العاطفية المصرية بالذات
فكرتني بصديقي الغالي "سيف" كل ما أركب معاه العربية
لأقية مشغل أسوء أغاني الحزن والعذاب والكئابة
وكنت بطلب منه يا يشغل حاجه رومانسية أو يطفي الكاست تماما
فاجئني ذات مرة بعبارته الدقيقة والمعبره عن مشاعره الجوانية
" الأغاني الكئيبة اللي مش عجباك دي هي الحقيقة
والشيء الواقعي أما الأغاني اللي أمثالك بيسمعوها دي فكلام فاضي وخيالي"
ومن يومها مكنتش بعلق علي نوعية الأغاني الحزينة والكئيبة اللي بيسمعهاني
لأني عارف الإجابة ولكن الأن وبعد إكتشافي المتأخر جدا طلع كلامه صح!!
أما الكتاب الثاني أو الموسوعه وبعد قراءه بضعه صفحات وجيزه منها
فوجئت بكلمه كنت أقولها وأرسم بيها إنسانة
وعرفت معني الزهرة
وهي زهرة البانسية ولقيت معناه الصداقة والتذكر!!
أنا كنت بستخدمها وقتها في وصف إنسانة
ولكن وفجأه يطلع معناها الصداقة والتذكر فقط!
فشكراً لصديقتي الطبيبة العاشقة كما تسمي نفسها
علي هديتها الرائعه لها مني جزيل الشكر
وأكيد وأنا نازل القاهرة الأسبوع المقبل
جايب ليكي هدية لا تقل عن اللي أهدتيني بيها.
-5-
طبعاً مافيش يوم بيعدي عليانا وإحنا راجعين من القاهرة
وطبعاً ده لما بكون مع أصدقائي إلا ما تحصل مشكلة
كان أخرها الأسبوع اللي فات , سواق عربية ملاكي فاخمة زنق علي صاحبنا اللي سايق
فطبعاً صديقنا إستشاط غيظاً ولكننا هدناه وفكرناه إنه رمضان وبلاش نضيع صيام اليوم
بس اللي يضايق إنك تلاقي البية التاني رافع صوته بالسباب والشتائم
وطبعاً بإستخدام أصابع يده ف التعبير عن جوهر الشتائم وفحواها البليغ!!
فقال واحد صاحبنا : خلاص دا راجل ذي أبونا وكبر دماغ وعديه وخليه يخفا
والراجل برده مصمم يشتم ويلعن الكتب السماوية والأرضية لحد ما عدانا وخلصنا منه
وقتها إفتكرت عبارة كنت قاريها قريب لأديب الساخر جورج برنارد شو
" سامحه فهو يعتقد أن عادات قبيلتة هي القوانين الطبيعية"
-6-
وبما إن المصريين عباقرة وأفذاذ مش بس بإبتكارتهم وأفعلاهم
لكن أيضاً بساذجتهم وهذا المكنون الحقيقي للفلاح المصري
فقد ذكر اللورد كرومر في مذكراته
" سمعت فلاحاً مصرياً يجلس في خمول تحت شجرة توت
ويغني قائلي : هاتوا إلي حبيبي ,, وغاب عن باله أن حبيبه لن يأتي إلا إذا ذهب هو إليه يطلبه"
لكن حبيت أحلل الجملة الصدمه اللي قريتها
فلقيت اللورد الإنجليزي بيستخدم العبارات الأتية:
(((فلاح مصري , خمول , شجر التوت , هاتو إلي حبيبي
, غاب عن باله , حبيبة لن يأتي , هو إليه يطلبه)))
وبم إن اللورد مش مصري وتقريباً مكنش لسه شرب من نيلها أو جرب يغنيلها
أو علي رأي واحد صاحبي
إتجنن من قرفها ومشي يتكلم لشوارعها ويزقلها بالطوب!!
إننا كمصريين بنشتغل بهدف الراحة فالراحة عندنا غاية
ولو قاللوا لنا روحوا إرتاحوا ومتشتغلوش
هنقول ونعم الرأي
أما بخصوص شجرة التوت التي جلس تحتها الفلاح البائس
فأكيد لأن ماكنش لسه شجر الجميز نمي وكبر وترعر في الفترة دي
أو بمعني تاني داروني إن الفلاح المصري العاشق كان خايف علي رأسه
وهو في لحظات الهيام والغناء يتفاجئ بسقوط إحدي ثمرات الجميز
علي دماغه فيصحي من غفلته وإختار لهذا السبب شجر التوت أسهل
, مع إن فلاحنا العزيز ده فكر هيلاقي إن بقعة التوت مبتطلعش من الهدوم
علي رأي واحد صاحبي غاوي أكل توت !!
أما عبارة "هاتوا لي حبيبي " فدي طبيعه المصرييين
هاتولي , إعملولي , ساعدوني
أو بمعني أثر دقة مبيملكش الطابع الإنجليزي
بتاع إعتمد علي نفسك Help Yourself
فده شيء طبيعي إنه ينده علي حبيبته
ويقولها تعالي
وصدقيني أيها اللورد لو كنت نبهته إن المفروض هو اللي يروح ليها
كان ببساطته وسساجته أكيد هيقولك بعد ما يعدل طاقيته اللي أطول عود القصب المسوس
طيب ما تخدني إنت ليها وتكسب فيا ثواب!!!
ببساطه إنحا متربناش علي المجازفة والمغامرة والإقدام
وفضلنها تتحكي فقط في قصص الشاطر حسن وسيرة أبو زيد الهلالي
أو في فيلم محروق إتشاف مليون مرة علي الشاشة الصغيرة والكبيرة كذلك.
-7-
إتفاجئت بملاحظة لزميلتي الإسكندرانية "سمر"
قالت ليا : اللي يسمعك أول مرة يفكر إنك بتتهكم علي الدين
بس لو صبروا شوايا عليك هيلاقوا وجهه نظرهم فيك غلط
قلت ليها : يمكن ده عيب فيا إني مبعرفش أوصل المعلومة بدقة وبوضوح للي بيسمعني
وطلبت طلب غريب وبقيت بفكر فيه فعلاً
طلبت مني أكتب مسرحية !!
قلت ليها : بس أنا مابميلش للمسرحيات وميال أكتر للرواية
قالت ليا جربت تقرأ "لبرنارد شو"
قلت لها: بقرأ ليه أي حاجه عدا مسرحياته !!
قالت ليا: ياريت تجرب تقرأ ليه هتلاقي ليك أسلوب قريب منه
قلت لها : أنا عارف إنه مؤلف ساخر وبينتقد المجتمع بقوة
قالت ليا : وأنا شايفه فيك ده!!
قلت ليها : سبيني أفكر في الحكاية دي بعد ما أقرأ
مسرحيات "لألبير كامو وبرنارد شو وشكسبير ومحمود تيمور وتوفيق الحكيم"
وبعد ما أنهيت المكالمة فكرت فعلاً أجرب كتابه المسرحية
العنوان جاهز والفكرة ببلورها في ذهني
وأديني هجرب وأشوف أخرتها !!
